أخبار عاجلة

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية (الحلقة الثالثة)

في مستهل مرحلة التأسيس واجهتني أول عقبة، وهي الإعداد العقدي والفكري والسياسي للشباب، لأن القلة الأولى من المدرسين كانوا من المدارس الابتدائية وليس لهم تكوين جامعي يسمح لهم بإعداد ما تحتاجه الحالة، والشباب الذين بين أيديهم تحت التأسيس كانوا مندفعين ويحتاجون إلى الانضباط والصبر على التعلم والتربية وتعود الحكمة، والحلقات التي تعقد أسبوعيا تعددت واتسعت وصار من المتعذر متابعتها كلها، والدروس التي تلقى عليهم كانت شفوية سرعان ما تنسى ولا يبقى لها أثر لديهم، وانتماء كثير منهم كان إلى طبقات اجتماعية بسيطة ليس لها تقاليد تساهم في إنضاج ما يتلقونه، لذلك دعت الضرورة إلى أن أحرر كل أسبوع درسا أطبعه في نسخ كثيرة توزع على الخلايا، فاشتريت آلة طابعة وآلة رونيو، وضعتهما في  “كراج” بيتي وحولته مكتبا ومكانا لطباعة كل ما نحتاج إليه، ولم أجد أي صعوبة في ذلك، لأني كنت أتقن الطباعة من أيام عملي في المقاومة المسلحة مع الشهيد الفطواكي وصحبه الكرام رحمهم الله في مراكش مكلفا بكتابة المناشير السرية وطباعتها ونشرها.

هكذا تغلبنا على معضلة تكريس ما ندعو إليه في أذهان الشباب، وعلى تبليغ ذلك بواسطة المدرسين الذين لم تسبق لهم أي خبرة سياسية أو حركية في ما سوى التعليم، ومع ذلك تخوف بعضهم من هذا التطور في نظام العمل والدعوة، ثم ما لبثوا أن تجاوزوا هذه العقبة.

وكان مما واجهني في عملية شراء الطابعة والرونيو أنَّ باعتهما حينئذ كانت لهم تعليمات بألا يبيعوها إلا للمؤسسات الرسمية وبترخيص أمني رسمي، فاشتريت الآلة الكاتبة على أنها لمكتبي التربوي الذي أشرف عليه، وكلفت صديقا لي في اسبانيا بأن يشتري لي آلة الرونيو، ثم أرسلت أحد شبابنا إليه في غرناطة فحملها إلينا، وساعدني أحد الأصدقاء الطيبين من العاملين في الميناء على إخراجها من الباخرة وتسلُّمِها. وتكفل نفس الأخ الذي أتى بها من اسبانيا بالإشراف عليها واستحضار حاجيات استعمالها حبرا وأوراقا وأدوات مكتبية.

من غرائب الصدف أن هذا الكراج هو نفسه الذي كنت أستعمله مع الأخ البشير الفكيكي لطباعة مناشير الحملة الاحتجاجية على اختطاف المهدي بن بركة واغتياله في 29 أكتوبر 1965، وكان البشير يحضر معه كل مرة آلة الرونيو الخاصة بالحزب لاستعمالها، وكان من المشاركين في الحملة معنا عمر بنجلون وعابد الجابري والصحفيان حسن العلوي والبوسرغيني وغيرهم، وهو نفس الكراج الذي هاجمه البوليس المغربي عقب هجرتي سنة 1975، وأغلقه بالشمع الأحمر، وتركته العائلة كذلك مغلقا بالشمع الأحمر عقب مغادرتها المغرب، وبقي كذلك إلى أن هدمت الدولة البيت كله ومحت أثره وحولته مركزا أمنيا، وكان عنوانه حينئذ: رقم 4 زنقة حمزة الزيات المتفرعة عن شارع المقاومة بالدار البيضاء.

 

مؤسس الحركة الإسلامية المغربية

فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي

عن elharakah

شاهد أيضاً

سر يكشف لأول مرة: لماذا أعلنتَ البراءة من حزب العدالة والتنمية؟

لماذا أعلنتَ البراءة من حزب العدالة والتنمية؟ كتب إليَّ عضو صغير السن حديث العهد بالعمل …

أضف تعليقاً