كان أول ما واجه حركتنا الناشئة ضرورة اختراق المجتمع بمنهاج تربوي حركي تعليمي كفيل بتحقيق ما نرمي إليه وإقامة المشروع الإحيائي الذي نطمح له.
أما الجانب التربوي التعليمي فأوله المتعلق بتوعية الإخوة المعلمين، إذ لم يكن لكثير منهم تجربة حركية أو جمعوية أو خبرة سياسية بما نحن فيه وما نريده، ثم المتعلق بالجلسات الأسبوعية للطلبة التي يشرف عليها الإخوة المعلمون، لذلك قسمنا الإخوة المعلمين إلى خلايا كل منها تضم حوالي سبعة أفراد تقريبا يجتمعون مرة كل أسبوع فيتحاورون حول الدرس الأسبوعي الفكري والحركي الذي كنت أكتبه وأطبعه في بيتي وأتلوه عليهم وأشرح لهم أبعاده، وأجعل بين أيديهم نسخا منه مطبوعة، كي يبلغوه بدورهم إلى الطلبة ويشرحونه لهم، مرفوقا بقراءة في تفسير ابن كثير يختارونها ويتلوها عليهم أحدهم، وأخرى في السيرة النبوية يتلوها عليهم غيره. ثم يتدارسون في نفس الجلسة كافة الدروس التي يقدمونها والصعوبات التي يواجهونها في التعامل مع الطلبة الذين يؤوونهم في بيوتهم ويشرفون عليهم تربويا وحركيا، وساعدني على تنظيم هذه الخطوات وضبطها والقيام بها ما سبق لي من الخبرة في التدريس بمدارس المعلمين، ومعهد تكوين مفتشي التعليم بالرباط،، وما لدي عند الإخوة المعلمين من محبة واحترام وثقة بصفتي مسؤولا عنهم مهنيا ورئيسا للقسم التربوى في نيابة التعليم بالدار البيضاء، وما أعاملهم به في المجال المهني والعلاقات العامة من احترام لهم وتقدير لجهودهم ومودة صادقة لهم.
وأما أمر الجمعيات الرسمية التى تأسست قانونيا فقد كان أول عائق للاستفادة منها هو انعدام الخبرة الجمعوية لدى أعضائها، لذلك عمدت أولا إلى جمعية الشبيبة الإسلامية في حي بورنازيل وكان جل أعضائها من شمال المغرب (طنجة والحسيمة وبركان وجبال الريف مطلقا) ولهم من حسن الخلق والجدية والصدق ودماثة الخلق ما تميز به أهل تلك المنطقة، ولكنهم كانوا يعيشون كغرباء في الدار البيضاء والجنوب المغربي، لحداثة استقلال شمال المغرب وتوحيده مع جنوبه، فعمدت لتشويقهم إلى معرفة الجزء الجنوبي من وطنهم وتنظيم رحلة سياحية علمية إلى مدينة أكادير ومنطقة سوس وضواحيها، وإذ تخوف بعضهم من القيام بذلك خشية المساءلة القانونية طمأنتهم بأن لجمعيتهم الناشئة ترخيصا رسميا للقيام بمثل هذا النشاط الجمعوي، ثم أخذت لهم إذنا بذلك من لدن وزارة الشبيبة والرياضة عن طريق ممثلها في الدار البيضاء ابن العمة الأخ مختار الحمداوي رجائي رحمه الله، وكلفت الأخ التايدي والأخ الحاج الحداد وكانا أنشط الجميع وأكثرهم حماسا وحركية، بتكوين لجنة تضع برنامج الرحلة وتحدد الأماكن التي تزار أثناءها، وتقدر قيمة الاشتراك فيها بما يغطي حاجاتها المادية والمعنوية، وتتعاقد مع شركة حافلات للنقل العمومي تقوم بنقلهم، فتم إعداد ذلك على أحسن ما يرام، وودعتهم في فجر يوم الانطلاق بعد صلاة الصبح، ظانا أن جميع الصعوبات قد ذللت، إلا أنني في مساء نفس اليوم رن جرس هاتف مكتبي فإذا بها مكالمة من رئيس الدرك الملكي على بوابة أكادير يسألني: هل أنت فلان، قلت نعم، قال: لقد أوقفنا حافلتين كبيرتين بهما حوالي سبعين فردا عند مدخل أكادير وذكروا أنك من أرسلتهم في رحلتهم إلى الجنوب وأنهم يمثلون جمعية الشبيبة الإسلامية فهل هذا صحيح؟ أجبته بأن ما ذكروه لكم هو عين الحقيقة، وما عليكم للتأكد من ذلك إلا الاتصال بإدارة وزارة الشبيبة والرياضة في الدار البيضاء ورئيسها الأخ المختار الحمداوي رجائي، على الهاتف رقم… فودعني على أن يتأكد من الأمر، وبعد حوالي عشر دقائق عاد إلى مهاتفتي معتذرا بكل أدب وأخبرني بأنه أفرج عن الحافلتين ومن فيها، وتمت بذلك أول رحلة لأول جمعية للحركة الإسلامية المغربية بنجاح، وعاد المشاركون فيها إلى الدار البيضاء أكثر حماسا وثقة وتجربة وعزما على مواصلة الطريق.
أما عن جمعية شباب الدعوة في عين الشق وفيها حوالي ثمانية معلمين من نفس المنطقة منهم الأخ الراجي وهو أنشطهم لما سبق له من نشاط في جماعة التبليغ، والأخوان زحل والمنصورى، فقد كلفت الأخ الراجي بالبحث عن مقر للجمعية واستئجاره، فقام بذلك خير قيام، إذ عثر على كراج مهجور ثم تكفل مع غيره بتبييضه وفرشه بحصر جديدة وتزويده بسبورة سوداء، ولكن بعد حوالي أسبوعين لم يوفق الإخوة إلى تفعيل الجمعية أو الاستفادة من مقرها، لوقوعها منعزلة في أطراف حي عين الشق، ووقوع الحي نفسه حينئذ منعزلا في أطراف الدار البيضاء، فزرتهم واقترحت عليهم أن ينظموا في المقر حفلة شاي تعارفية يدعون لها عامة سكان الحي كبارا وشبابا وأطفالا، وبعد أن وزعت الحلوى والشاي على الحاضرين وفي قمة انشراحهم، توجهت إلى السبورة وكتبت عليها آية قرآنية قصيرة شرحتها، ثم قمت بتحفيظها للحاضرين كلمة كلمة، ثم كتبت حديثا نبويا شرحته وحفظته لهم على نفس النحو، وبعد أن ودعنا ضيوف الحفل وهم في قمة رضاهم، خاطبت الإخوة أعضاء الجمعية قائلا: على هذا النحو فانحوا بارك الله فيكم وأنجح مساعيكم… وبهذا سارت أول خطوات هذه الجمعية أيضا.
مؤسس الحركة الإسلامية المغربية
فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي