أخبار عاجلة

من خطوات تأسيس الحركة الإسلامية المغربية- الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي. القسم الثاني: (الحلقة الثالثة)

نواصل في القسم الثاني نشر الحلقة الثالثة من تاريخ الحركة الإسلامية المغربية التي يوثق فيها فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمدواي لظروف النشأة وملابساتها، وجهود النظام وأجهزته في محاولة وأدها وشرذمتها وتوظيفها. ولا شك أن هذا التوثيق من مصادره الأصلية يعين على فهم الأحداث والتطورات التي تردنا حولها أسئلة كثيرة من المهتمين بالشأن العام والمتتبعين لقضايا العمل السياسي عموما وتاريخ الحركة الإسلامية على وجه الخصوص:

يكتب فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني مؤسس الحركة الإسلامية المغربية:

لقد نجحنا بفضل الله تعالى مبكرا في بث الشعور بالاستعلاء الإيماني في شبابنا، ولكنه كان استعلاء أجوف، غير متوازن مع مستوى وعيهم السياسي والحركي، فكان اندفاعهم وردود فعلهم العفوية ظاهرة جديدة في المجتمع المغربي، سرَّعَتْ من التفاف الساخطين على النظام حولهم من جهة، ونبهت أقطاب الفكر السياسي والعمل الحركي العام إليهم من جهة ثانية، وخوفت الدولة وأجهزتها من جهة ثالثة، وأطمعت من جهة رابعة حركات إسلامية بالخارج في استقطابهم واحتوائهم لتأسيس فروع لها في المغرب الذي لم تستطع اختراقه من قبل. فكان بذلك تحرك جميع هذه الجهات نحونا كلٌّ من موقعه ولهدفه، في وقت لم تكن لحركتنا قيادة جماعية مكتملة الوعي بطبيعة ما تعمل له وتعمل به وتهدف إليه، ولذلك انصبت جهود الجميع على الرأس إذ عرفوا طبيعة الجذع والأطراف، فانهالت عليه السهام من كل صوب.

 كان أول هذه السهام وأشدها طرافة وإثارة للسخرية والضحك في عمق بيتي كما كان ثاني السهام من عمق القصر الملكي، إذ رجعت مرة إلى البيت متأخرا كعادتي بعد جلسة من جلساتي القيادية فلقيتني أم البنين بوجه متغير، وسألتها عن طعام عشائي الذي تنتظرني به كل ليلة، فأجابت بأنه في الثلاجة، ثم أضافت بأنها تلقت هاتفا من امرأة مجهولة تستعجل حضوري حفلة ماجنة مزعومة، ففهمت سر تغير ملامحها، وبينت لها ما طابت به نفسها، فانتبهت إلى ما يراد بنا أسرةً وحركةً من قبل خصوم دعوتنا وشاركتني طعام العشاء.

وكان ثاني سهم خفي قادما من قمة السلطة، من الملك الحسن الثاني نفسه عن طريق زميل قديم لي في الدراسة هو الأخ حمان الداودي أحد كبار مترجمي الديوان الملكي، وكنت في  زيارة عمل إلى الرباط، فلقيني لقاء يبدو أنه مدبر من جهة ما، ثم استضافني لطعام الغذاء عنده بإلحاح، فلبيت دعوته، ثم دعاني لمرافقته إلى مكتبه بالديوان الملكي وشرب الشاي فيه، فلبيت الدعوة ورافقته، وأثناء الحوار قال: “أعلم أنك أسست حركة إسلامية قوية ولكن نظرا للصداقة العريقة التي بيننا ومعرفتي بأسرار الديوان الملكي أنصحك بأن تكتب رسالة للملك تخبره رسميا بالأمر، وتخيره فيها بين أن تحتفظ بالحركة أو تتركها، هذا أسلم لك وأشد نفعا”.

فهمت الرسالة واستوعبت أبعادها، فأجبته بغباء مصطنع دفعا لمواجهة مبكرة ليست حركتنا أهلا لها: “إن شاء الله سوف أفكر جديا في اقتراحك، وأجيبك”، فعقب بقوله: “إذا كتبت الرسالة فأنا مستعد لإبلاغها إلى الملك يدا بيد”. فشكرته وودعته.

وكان ثالث سهم من جمعية مدرسي الفلسفة التي يستثمرها اليسار المغربي العقائدي الحدي، ويشرف عليها مجموعة معارف لي وأصدقاء مثل منظرها العابد الجابري وسالم يفوت وغيرهما، إذ أصدروا بيانا تحريضيا شديدا ضدنا دعوا فيه الدولة إلى ضربنا بيد من حديد قبل أن يقوى عودنا ويتعذر القضاء علينا، والأشد دهشة في الأمر أن البيان نشر في الصحف المغربية كلها على اختلاف انتماءاتها السياسية الحزبية اليمينية واليسارية والتجارية، بل نشرته حتى صحيفة “الأنباء” التي تصدرها وزارة الإعلام المغربية ويديرها أحد أصدقائي القدامى هو الأستاذ اليعقوبي الذي كان عضوا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل أن يقلب له ظهر المجن، مما يفهم منه أن جهات رسمية وراء هذا الهجوم الإعلامي الكاسح.

كان رد فعلنا أن قمنا بحملة شفوية مضادة بين ذوي الميول الإسلامية والجمعيات الدينية لتوعيتهم بما يحاك للدعوة الإسلامية عموما، وتنشيط جهودهم من أجل تجنب ما يراد بهم جميعا، وتجنيدهم للدفاع عن عقيدتهم وقد نال منها بيان جمعية مدرسي الفلسفة، وكان في مقدمة من اتصلت بهم الأخ عبد السلام ياسين رحمه الله، وهو حينئذ منعزل في بيته بحي الداوديات بمراكش.

زرت الأخ عبد السلام الحيحي كما كنت أعرفه به من قبل، أو عبد السلام ياسين كما اتخذه لنفسه لقبا إداريا عندما فرضت سلطات الحماية الفرنسية نظام ” الحالة المدنية”، وأخذت معي إليه صديقا مشتركا بيننا هو الأديب المراكشي المعروف أحمد الشرقاوي إقبال رحمه الله، جامع ديوان “شاعر الحمراء” وكاتب سيرته، والأخ إبرهيم كمال رحمه الله، وكان الأخ عبد السلام حينئذ يعيش عزلة قاسية واكتئابا شديدا بسبب تنكر الطريقة البوتشيشية له وعزلها له من صفوف مريديها.

تناولنا طعام العشاء في بيت مضيفنا، وصلينا فريضتي العشاء والصبح جماعة بإلحاح منه على أن أؤمهم فيهما، وجرى بيننا طيلة الليلة كلها نقاش تناول تجربته في الطريقة التي بذل كل جهده من أجلها وكان جزاؤه من شيخها جزاء سنمار، وكان الأخ عبد السلام أشد شكوى لما ناله من شيخها وما لاحظه في صفها مشيخة ومريدين، كما كان الأخ أحمد الشرقاوي الأشد نقدا للطريقة البوتشيشية وعتابا له على تورطه أول أمره فيها، ثم قمنا بتحريضه على التخلص من اليأس والكآبة وما يشعر به من إحباط، وتذكيره بما يحاك للدعوة الإسلامية التي أحيط بها من كل جانب، كما يبدو ذلك جليا في بيان جمعية مدرسي الفلسفة والتأييد المبالغ فيه لها من طرف جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني المُتحكَّم فيه، وكانت حصيلة الجلسة أن اقتنع الأخ عبد السلام برأينا وعاهدنا على مناصرتنا ودخول معركتنا والانضمام إلى صفنا، ثم ودعناه عقب صلاة الضحى ورجعنا إلى الدار البيضاء. 

(يتبع)

عن elharakah

شاهد أيضاً

سر يكشف لأول مرة: لماذا أعلنتَ البراءة من حزب العدالة والتنمية؟

لماذا أعلنتَ البراءة من حزب العدالة والتنمية؟ كتب إليَّ عضو صغير السن حديث العهد بالعمل …

أضف تعليقاً